ستّي
الأربعاء, ديسمبر 20, 2017
"يا رب تشتي..."
ثم أصمت...
أنتِ أمامي الآن، تجلسين على سريرك، كعادتك، تطوين بين أصابعك
كيسًا فارغًا، يُعانِد مصيره بالانكماش، تَبسُطينه، ثم تعودين لتشكيله من جديد...
أحاول الغناء مجددًا... "يا رب تشتي..." أنتِ تُحبين
الشتاء رغم ما يفرضُه عليكِ من منع تجوال، لكنّه يُكاسِرُ عنادنا أمام الانكماش،
ويغلب. نعود راغبين إعادة تشكيلٍ إليكِ...
"يا رب تشتي...
وأروح عند ستي..."
أنحني أمام اللفظ الأخير، أمسحُ فوق قلبي ثم أسقط. ضوضاء العالم
في داخلي تستكين... أتعلمين أنّ السين والتاء حرفان مهموسان؟ يخرجان من الفم دون
جهد، دون إحداث أيّ جلبة ويستقران في المدامع. حرفان دافئان برائحة المطر، يبدأن
بمتكئ ويؤولان لمتكئ. وبين هذا وذاك يذوب الكون كله، يتوقف عن الدورانِ ويطفئ
شاشاته العازلة، يعود أدراجه لأصله، مسبحة سمراء تذكرين بعدد حبّاتها الرب إناءَ
كلّ صلاة.
"يا ربِّ تشتي... وأروح عند ستي...
تعملي فتّة..."
ما طعمُ السماء اليوم؟ أتساءل... فتّة كاللتي تتناولينها صباحًا
مغمورةً بالشاي. أو فلتكن قرص دواءٍ سرمديّ يغنيكِ عن كثير العلب المختبئة تحت
الوسادة، تبلعين العشرات منها كل يومٍ. تبلعين الألم. أما أنا، فأبلعُ الحُزن. لكنّ
جسدي أضعف من مهاجمته، يطرقُ جدران معدتي بشدّة، يُخضِعُ كريات الدم البيضاء، بضعه
ينصهر تحت الجلدِ وبضعه يحول العين ماءً، يحفرُ ببطءٍ دربًا يمشيه القلب بقدمين
داميتين بعد أن ارتضاكِ من اليوم قِبلته، يهرول نحوك ويشيب.
طعم السماء اليوم كالأرضِ الرحبة التي خلقتها بداخلنا، بذرة
التمرّد الأولى؛ "هو ماله فيّ أبوتش؟ خذيهن وتقوليلوش". طعمٌ ينفجرُ من
أعماقِ الروح كالزعتر الأخضر والخبيزة والسبانخ. طعمُها اليوم أصفر، مسلي الفستق
الذي تُحبين، ثلاثة أكياس يتيمة شُرّع لها النوم بمحاذاتك وحالت بيننا لعنتي
الدهريّة؛ البكاء والوقت.
البكاءُ وجهتي الجديدة، المتنفس، أقول في سري بينما يضيقُ عليكِ
نَفَسُك. لا أدري ما الحكمة التي سنُحقَنُ بها جرّاء السؤالِ لماذا لم يكن نفسك
الأخير في بيتك، مثلما رغبتِ، عزاؤنا ربما في جمال وجهك حين غادرتيه نحو النور،
عزاؤنا البكاء، كانت تُحبكم فابكوها، قالتها سويداء قلبك، رفيقتك، ابنتك الوحيدة
وهي تهجو تراكيب اللغة المتقرّحة في كلمة "كانت". أتعلمين أنها تُشبهك؟
أنظرُ إليها فأراكِ... حتى في فاجعتنا بك تركت قطعةً نمسحُ بها خطايانا.
"يا رب تشتي... وأروح عند ستي... تعملي فتّة...
أكلها وأنام..."
قلتِ بأنّي أدرسُ كثيرًا وأنام، "بس تصحى بتيجي
عندي..."، جئتك أجدد البيعة، يدي قصيرة، يدك جميلة وبيننا مسافة طويلة من
النوم.
تنظرين في حافة الموت المحاذية، "لو تعطيني شويّة نوم"،
ليتك لم تأخذيه كلّه يا ستي...
ليتك لم تأخذيه.
2 تَركُوا بَصمة
رحم الله ستك وستي
ردحذفرغم أنه حزين - ومرتبك قليلا - إلا أنه مميز
ردحذف:)
أطيب تحياتي وعميق احترامي وتقديري، وبإذن الله سنة حلوة وسعيدة عليكي
هاكِ، طريقة جديدة للوصال