رسالة للذي يقرأ (19)
الأربعاء, يوليو 03, 2019
عزيزي الذي يقرأ،
هناك علاقة غريبة بين الجسد والنفس والمكان. لا تشكّل
الأماكن شعورًا ما، لكنها جزءًا من كيانه، يرسم الشعور حدودها الخارجية ونتوءاتها
الحادّة وزوايا الاختباء المؤقتة. يصنعُ الشعور للجسد من المكان دروع دفاعيّة
عديدة يفرشها بساطًا مخمليًا للنفس عند كل انهيار. فحين يغادر الجسد مكانه تعود
النفس لتكوينها الأول، عارية ضعيفة.
المكان جديد
وجغرافيته باردة، والسير بنفسٍ عارية ثقيل، لا يرى أحد حاجتك للاكتساء ولا تترك
لسعات البرد سمات صارخة على جسدك، وحدك من تعي حجم الثلوج المتكدسة في داخلك والتي
لن تذوب إلّا بغرس مرآة في نفسك. هاكِ، هذه ندوبك كلها... واحدة، اثنتين، ثلاثة...
مئة... تحسسيها كلها، لا تجزعي مما يسيل منها، القيح تطهّر، الألم تطهّر، الدمع
تطهّر... لكنّا لا ننال القدسيّة إلّا بتتبع الآثار.
أقضي هذا الأسبوع في مكانٍ جديد، يبعد أميالًا صارخة
عن حيفا. في حيفا تقطن آلياتي النفسيّة كلها ومضاداتي الحيويّة. أما هُنا، فمخاوفي
طوّرت آلاف الأقدام الصغيرة، تتسلل ببطء من مخازن الذاكرة وترقص السالسا تحت
عيوني. تدور وتدور وتدور، أدوخ أنا وترتفعُ هي كصوفيّ ثمل يرى في دورانه وجه الله.
ماذا لو رحتُ أدور معها عوضًا عن المقاومة؟ الرقص
يُزكّي القلب من أثقاله، يجعل من القدمين أوتادًا كلما دقت الأرض ثلمت في القلب فجوةً
جديدة يُراق منها الثقل، ولو لبرهة. الرقص ذمّتي الجديدة، نراقص المخاوف حتى تكلّ...
0 تَركُوا بَصمة
هاكِ، طريقة جديدة للوصال