"أنت جميل"

الجمعة, أكتوبر 21, 2016

انتشر منذ مُدّة فيديو قصير تلتقط فيه فتاة ردود فعلِ الناس بعد أن تخبرهم بأنها تبحث عن الأشياء الجميلة لتجمعها في مشروع التخرج خاصّتها وأن وجههم استوقفها. ردود الفعل العفوية الممزوجة ما بين الخجل والحبور الخفيّ أو حتى سمات الثناء على التذكير، شفاههم التي تبدأ تنحني للأعلى ببطء وأعينهم التي لا تتوقف عن الثرثرة تُجبرك على الابتسام طوعًا للطبيعة البشرية المرتكزة على خيطٍ رفيعٍ ما بين الثقة والرأي الاجتماعي وتنتظر دغدغةً خفيفة لتميل نحو أحد الطرفين. 
لكن، وأنت تشاهد الفيديو لا بُدّ وأن تستوقفك الفتاة التي لا ترفض الاطراء وحسب بل تُهدد صاحبة المشروع بالضرب إن لم تتراجع عن اتهامات الجمال هذه. وفي الحقيقة الفتاة -بنظرةٍ ثانية وثالثة وعاشرة- لا تحمل مقومات الجمال التعجيزيّة التي وضعتها شركات المتجارة بالنساء، لكنها تملك شيئًا يخصّها وحدها، جمالًا مزدحمًا بفردانيته لكنه لسببٍ أو لآخر تشوّه في داخلها.

قبل بضع سنوات قام باحثان من جامعة شيكاجو وفيرجينيا الأمريكيتين باختبارٍ صغير؛ أخذوا صورًا لعددٍ من الأشخاص وقاموا بصنع صورة معدّلة عن الأصلية وصورة أخرى أقل جمالًا -إن صحّ التعبير- عنها. ثم عرضوا الصور الثلاث على المشاركين وطلبوا منهم اختيار صورتهم الأصلية. الغالبية العظمى منهم قاموا باختيار الصورة المُعدّلة وليس صورتهم الأصلية.

نحنُ بطبعنا ننظرُ دائمًا لأنفسنا عبر عدساتٍ ورديّة، وليس فيما يتعلّق بالشكل الخارجي فقط. وعلى الرغم من وجودِ هذه العدساتِ معنا فطريًا، إلا انها سهلة الخدشِ والانكسار.

قد تختلفُ الأسباب والأحداث والمواقف التي جعلت مرآة تلك الفتاة الذاتيّة متقرّحة بهذا الشكل، لكن الأمر المؤكد أن التراكمات الكلامية وصراعات الظهور العلني في مواقع التواصل تُساهم بشكلٍ كبير بصنع شرخٍ في التقييمات الذاتية. إن لم نأبه بمكان سقوط ما نقول وما نفعل وبما تُحدِث هناك من انتهاكات قد تكون مُساهِمين أيضًا للشعور بالزيف والنظرة الدونيّة للنفس وعدم تقدير الانجازات التي يرمي بها أصحابها على شمّاعة الحظ أو ظنهم بأنهم يرتدون أقنعة تُخفي بشاعة ما يطمرون، ما يُعرف علميًا باسم "متلازمة الاحتيال" (والتي تصاب بها عادة النساء الناجحات في مجتمعاتنا- للمعلومات فقط).

ولأكون أكثر موضوعيّةً، مواقع التواصل لم تكن سببًا لخلق فجواتٍ نفسيّة فقط، فهي أيضًا خلقت مسارح واسعة للفكر دون أي علاقةٍ بالجسدِ الذي يحتويه والتي قد تكون داءً لما يُسقِمُ هذا الجسد، مسارِحَ واسعة جدًا إن نتوقف عن تفريغ مقاعدها بين الحين والآخر سنُحقق ما قاله عبقري التصميم فريد عُمارة: إن أجمل ما قد تقع عليه عين إنسان هو إنسان آخر.

لم يقل رجلًا أو امرأة أو وجهًا أو يدًا أو قلبًا... لم يحصر الجمال في قالبٍ ما، بل قال ببساطة وبكل تجريد - (إنسان).





 * شكرًا لتدوينة زهراء التي ذكرتني بهذا الفيديو

You Might Also Like

0 تَركُوا بَصمة

هاكِ، طريقة جديدة للوصال

Popular Posts