رسالة للذي يقرأ (9)
الجمعة, أكتوبر 21, 2016
عزيزي الذي يقرأ،
قرأتُ مرةً أن أرواحنا تعرجُ إلى
أماكن مختلفة خلال النوم، وربما يكون هذا سبب المزاجات المتباينة التي نستيقظ بها
صباحًا. لكنّي أظن بأن روحي عالقة منذ ليالٍ عديدة في عُنقِ زجاجة سوداء تحتجزُ
الليل فيها، فيدور ويرتطم بجدرانها ولا يجد مساحةً خاليةً ليُفرّغ عتمته سوى بي.
منذ أن توقفتُ عن عدّ الليالي وأنا
لا أستطيعُ أن أصل لمعادلة اكتفاءٍ مع النوم، أو الكتابة، أو أي انجازٍ آخر... غير
إيجاد التبريرات وإلقامي اياها، فيصاب ذاك الصوت الداخلي الذي أتكئ عليه بالتخمة
وينام هو، ولا أفعل. رُبما تنسانا أحيانًا الملائكة حين تَدّسُ حظوظ الناس أسفلَ
الوسائد لغايةٍ في نفسها، وربما يكون هذا شماعةً إضافيّة لفضّ الثقل عن كتفي عوضًا
عن معالجته. لكنّ أرق الليلة مختلف، لم يُحدِث في جوفي أي جلبةٍ، وكأنه يهمس
بامتنان عميق: كيف سُنفرِغُ ما تحمله هذه الليلة من الأبد؟
لا أحد يُشاركك حُزنك، هم يمرون عنك
فقط، يبادلونك أطراف الحديثِ ويخيطون جوانب وجههم بسؤالٍ أو طبطبة كي لا ينسكب منه
الماء، يأسرون شيئًا من داخلك إذا ما أجبت ويتركون كفًّا ثقيلةً فوق قلبك،
ويمضون. وكي لا تزجّ بي في خانة البؤس، لا
أحد يحملُ معك فرحك أيضًا. لكنّ الفرح مخادع، يسهل الإنغماس فيه والشعور الوهميّ
بالمشاركة. بيد أن الحزن يحتاجُ قربًا فريدًا مخيفًا، ويدًا لا يشوبها شيء قادرة
على الفوزِ بقطعةٍ من قلبك وحملها دائمًا... قطعة هي مُلكُه، تضع فيها انعكاس
أثقالك، وتمضي، مُدركًا بأن ثمة من يحملها معك. ولأن هذا نسيانٌ بائس لفردانيّة
الكون، لا أحد يشاركك حُزنك.
لم تَعُد ترضيني الطبطبات، وأظن
بأنني بذلك أكون قد سلبتُ نفسي آخر حقوقي بالمواساة، ووفرتُ ضمادات الخيباتٍ
لنزيفٍ من جارحةٍ مُختَلفة. لكنّي لم أتنازل بعد عن رغبتي بتلقي الرسائل منك.
أخبرني بالله عليك، تَحت أي مُسمّى تُجبرني في كل مرةٍ على الثرثرة صاغرةً ثم
تلثمني بصمتك؟
رُبما، حين تضيقُ المسميات وأتوقف عن البحث المُلّح عن عناوين للأشياء وتُصبح الحياة قادرة على إعادة أدراجها دون مساهمةٍ مني، ربما حينها سأصفح لك هذا الصمت وسأتوقف عن إرسال ما لا طائل فيه إليك.
تُصبح على خير.
1 تَركُوا بَصمة
ومن عظمة الكتابة
ردحذفانها تجمعك مع أرواحٌ
تقرأ لك دون أن تعلم
هاكِ، طريقة جديدة للوصال