ولي فيها ذكريات (1)
الأحد, فبراير 23, 2020
في الفترة الأخيرة أنا منشغلة بالبحث عن معنى لكل
شيء، لأي شيء، بالبحث عن سبب حاجتي للقشّة عوضًا عن الغرق. يقول فيكتور
فرانكل أنّ الإنسان يبدأ بتغيير نفسه حين يفقد القدرة على تغيير وضعه. وأنا الفاقدة
لأي خيط من السيطرة أحاول تشذيب نفسي بالمعنى.
قبل بضع سنوات بدأتُ في محاولة كتابة رواية\ قصة\ سلسلة
رسائل تحت عنوان "ولي فيها ذكريات". بدأت بكتابتها بعد انتقالي من حيفا
للمرة الأولى. لا أعلم أي درجٍ من أي قرص ذاكرة يحتفظ بالـ"رواية" حتى
اليوم لكنّي أعلم أنّي لم أدرك من قبل أنّ "فيها" تعود لحيفا، رغم أنّ أحداثها دارت في فلكِ آخر.
يراودني هذا الرابط كثيرًا. خصوصًا وأن حيفا، مسقط
القلب ومنزله الأول، تلفظني هذه الفترة شيئًا فشيئًا. ربما هنالك يد خفيّة تعبث في
الحبال وراء الكواليس، وربما هذا ما أود اكتشافه بدلًا من المعرفة الجافة أنّ الحياة
ببساطة مجحفة ولا تقدّم لنا الرغبات على طبق من فضة ولا تجنّد نفسها من أجلنا إن أردنا
حصول شيء ما بقوّة كافية. لا بأس.
قبل أسبوع ذهبت مع نداء لزيارة بستان الخيّاط. بستان
أخضر رحب ترى فيه آثار منتجع سياحيّ لم يُسمح له بالولادة والنشوء. يختبئ البستان
بين أحضان الكرمل الحزين الذي لم تُترَك فيه مساحة واحدة لم يعبث بها الجلّاد. بستان الخياط الذي كان ملكًا لعزيز الخياط بوطاجي هو آخر مورد طبيعي لم يتدخل فيه الاحتلال ولا زال أهله يحاربون محاولات تهجيرهم من المكان وتحويله لمقبرة للحارات اليهوديّة المجاورة. يذكرني
هذا البستان في كلّ مرة أزوره أنّ حيفا أيضًا محتلّة ولا زالت فلسطينيّة عربيّة رغم
كل الأقنعة التي تعتليها. لكن هذه المرة زيارتي له كانت بمثابة وداع غير مهيئ.
سألتني أخصائيتي النفسيّة إن كُنت أحب هذا المكان
لاعتقادي بأنّه يشبهني؛ آخر قوّة مقاومة رغم كل المحاولات الخارجيّة لارضاخه. لا أعلم
إن كنت كذلك. أود الاعتقاد أنّي مقاوِمة لكنّي أشعر بالاستسلام. أقف كل مرة
أمام هذا الباردوكس، عقلي وقلبي، كلّ منهما يغني في وادٍ بعيد جدًا عن
الآخر. شقّان متكاملان يقاومان انشطارهما، تمامًا مثلما تقاوم حيفا اكتمالها. كلا الأمرين مؤلم.
0 تَركُوا بَصمة
هاكِ، طريقة جديدة للوصال