بين Chapel Hill والقدس !

الجمعة, فبراير 13, 2015

لا ادري لماذا هذه الحادثة بالذات تركت لديّ اثرًا اكبر من غيره، فقد لا يمرُ يوم واحد دون حادثةٍ تُنزف القلب تكشف عنها مواقع التواصل الاجتماعي ولا يجد فيها الاعلام سبقًا او حتى مُلحقًا يستحق النشر.
لكن الامر هذه المرة كان وقعه عليّ مختلفًا جدًا...
ربما لأنني أقربُ بالجيل للضحايا من مراتٍ سابقة..
وربما لأنهم يقطنون البلاد التي دائمًا ما كنت أراها أكثرُ عدلًا وانسانيةً - رغم كل شيء - من بلادنا هذه...
وربما لأن الحادثة تزامنت مع إبادة دوما التعسفيّة، والتي لم تلاق اي تغطية اعلامية تستحق الذكر، وضياء كان ناشطًا في سبيل اللاجئين السوريين...
وربما لأن في قلبي نزعة لسوريا وفلسطين الجريحتين، ومن كان يتيمُ الوطن يبقى فاجِعَ الألم ويبحثُ عن يُتمٍ آخر ليضمه...
صدقًا لا أدري...

مقتل الطلاب الثلاثة أشغل مواقع التواصل الاجتماعية كثيرًا، والتي أرى فيها اعلامًا بديلًا عن ما تمنحنا اياه كبار المواقع المسمومة، الامر الذي خلقَ ضغطًا على الاعلام الغربي لتغطية الخبر بعد اكثر من تسع ساعاتٍ على الحادثة.
ولأننا في هذه الفترة الزمنية الصعبة الواحدُ منا  في وسط ركام العالم كالقابِض على الجمر، ولأن أسهم الاتهام مشحوذة في وجوهنا دائمًا فدائمًا ما نوّلد فرصةً من رحمِ الالم لإزالة بعض الغبارِ عن شمّاعة ديننا الذي عَلِقَت وعُلّقت عليها الكثير من الاحداثِ والخرافات.

احدى المبادراتِ اللطيفة التي صادفتها كانت حملة بعنوان "أنا جارك المسلم"، والفكرة هُنا هي اظهار اخلاق نبينا الحنيف في حسن الجوارِ في البلداتِ المختلطة - بما ان القاتل في حادثة تشابيل هيل كان ليس احدًا غير جارهم -  كمحاولة لتغيير الصورة الخاطئة التي يتخذها العالم عن الدين الاسلامي.

وهنا، اتوقف للتفكير لحظةً...
إن كنت اريد أن اتبنى هذه المبادرة هنا،
في سكني الحالي والذي سيرافقني في السنوات الاربعة المقبلة ايضًا،
هنا في قلب المعارك الصامتة اليومية،
هنا.. في القدس!
هل ستلاقي مبادرتي نجاح؟
وهل أملك من الشجاعة أصلًا ما يكفي لأن افعل ذلك؟
فكلما قرأتُ عن مشروعٍ كبير كان او صغير لاحداث تغيير وترابط اجتماعي وفكرتُ في تبنيه في القدس اجدُ الكثير من العراقيل أمامي. فخلفية هذه البلد ليست عادية ابدًا، ومعاركها لا تشبه أي معركةٍ طائفية او اجتماعية في اي بقعةٍ من أقطار هذا العالم.
القدسُ تحمل من الألم ما لا يمكن اصلاحه في ابتسامةٍ عابرة لجاري اليهودي صباحًا او بحديثٍ يخلو من المشادّات الكلامية في وسيلة نقلٍ اجتماعية يُظهر بأنني مع حق الاخر في التواجد والعيش، وبأنني لا اتمنى لاحدٍ الموت، وبأنني لستُ "مشروع ارهابية" ستخلع ابتسامتها في اي لحظة.
القدسُ تحمل من الالم اعوامًا فوق اعوامٍ متكدّسة، لا تستطيعُ عابرةً مثلي تتوق لمغادرتها بعد أن تُشبِعَ اهدافها أن تُخفف ولو قليلًا من هذا الألم.
القدسُ تَلدُ كل يومٍ تشابيل هيل الف مرةٍ وتُنتج تشارلي ايبدو جديد ولو اختلفت المسميّات.
وانا وانت عاجزون عن توجيه اصابع الاتهام على أي طرف فيها، 
ويا كثيرَ الاطرافِ التي تحملها هذه البلد.

.....

اليومُ صباحًا، وحين كنت عائدة من الدكان القريبِ مثلي كمثلِ الكثير من سكان الحيّ الذين يتسابقون لملئ منازلهم قبل ان تشتد العاصفة اكثر وقبل أن يدخل السبت - وهو يوم الراحة للشعب اليهودي - مررتُ عن عجوزٍ تحمل الكثير من الاكياس وتمشي بتثاقلٍ على الرصيف الضيّق، اقتربتُ منها وسألتها ان كانت تحتاجُ لمساعدة رفعت ناظريها لوجهي وأوقفتهما قليلًا على حجابي قبل أن تصل الى عينيّ من ثم ابتسمت واعطتني بعض الاكياس واشارت باصابعها الصغيرة التي اخذ منها الزمن كل مأخذ على البناية التي تسكن فيها.  
حين وصلنا هناك سألتني بلهجةٍ ثقيلة جدًا ان كنت أعمل في احدى البنايات في الحي...
لم أشعر بالسخطِ كعادتي، ولم العن الافكار المسبقة الدونيّة التي البسونا اياها رغمًا عنا بل اكتفيتُ بابتسامةٍ وباخبارها بأنني طالبة وأسكن في السكن الجامعيّ المجاور... فما كان منها الا ان تُردف "انتِ طالبة اذًا؟ كل الاحترام!"



ربما المبادرات الاجتماعية تنفيذها في هذه البلد أكثر صعوبةً من مكانٍ اخر..
لكن الامر المؤكد هو أن القدس لا تنضبُ ابدًا من المعجزات، فلا تسمحَ لهذا العالم السيء جدًا أن يَقرأ على طاقاتك السلام.



You Might Also Like

0 تَركُوا بَصمة

هاكِ، طريقة جديدة للوصال

Popular Posts