في عالمٍ موازٍ...!

السبت, أغسطس 16, 2014

الجريمة واضحة.
انتَ تنشرُ افكارك بكل علانيّة على الملأ.
أنت مُثير للفتنة، وللجدل.

//

لم أدع يومًا بأنني كاتبة، ولم اتوّج نفسي يومًا بهذا اللقب. انا مُجرد فتاة تعبثُ بالابجدية بين حينٍ وآخر متناسية قواعد النحو احيانًا باحثةً عن خُرقٍ في هذا الجدار الافتراضيّ لأتقيأ الكون الذي احتلّ الكثير من مساحاتي الداخلية، وأتنفس قليلًا.
وان كان عبثي هذا يصل الى مكانٍ ما، فليكن! لربما صَغرت الجغرفةُ فيما بيننا.

في صغري، كنت اخشى كثيرًا على أي كلمةٍ اسكبها على الورق وكنت احاول جاهدة ابقاءها في الظل. فكيف لكبريائي ان يسمحَ للحظاتِ الضعف – مهما كانت ساذجة وسخيفة – ان تظهر للنور؟ كيف له ان يكشف حقيقتي على الملأ؟
كنت، وما زلتُ حريصةً جدًا على بناءِ جدار واقٍ بيني وبين الناس. ظننتُ اني بذلك احمي نفسي ونفسيتي من أي ضرر، لكنني اكتشفتُ بأنني لم افعل شيئًا سوى خلقِ فجوة من العزلة بيني وبين العالم.
كُنتُ انتظرُ محادثة لن تأتي مع غريبٍ لن التقي فيه لأبوح له بكل شيء وأمضي في طريقي كأن شيئًا لم يكن. كنت احتاجُ بشدة لتلك المساحة من الصراحة والخيال لأنتثر فيها دون أي فكرة مسبقة عن من أكون، دون أي احكامٍ ودونَ تساؤلاتٍ عقيمة كلما التقت الاعين " هل ما زال يذكر..."
كنت بحاجة لصندوقِ بريدٍ كالذي كان في The lake house يبعثُ رسائل للمستقبل ويتلقاها احد لن يجمعنا الزمن في نفسِ البقعة ابدًا فأكونَ له كمن يقرأ رواية عن شخصياتٍ واحداث وهميّة لا وجود لها.
كنتُ بحاجة لأي مُسَكّنٍ حتى ولو كان مؤقتًا، فتعثر بحثي بالكتابة الالكترونية، والتي لا تخترقُ أي بند من قوانيني النفسية العقيمة.

العلاقات الافتراضية مُثيرة حقًا. تستطيعُ ان تكون "صديقًا" لأحدٍ ما وتكون متابعًا لكل تغريداته وتحركاته وتقرأ بنهمٍ كل ما ينشره في صفحاته الاجتماعية، وقد يصلُ عمق الصداقة بينكما أنك تستطيع تمييز كتاباته حتى لو لم يختتمها باسمه. تبادلتما التعقيباتِ هنا وهناك واكتشفت بأنكما تحبان ذات الاشياء وموقفكما في قضية ما مُشترك وينشرحُ صدرك كلما رأيت اسمه يُشعل اشارة حمراء في اعلى صفحتك.
لكن، هل تظنُ بأنك فعلًا تعرفه؟ هل انتَ حقًا صديقه؟
العلاقات الافتراضية جعلت من العالم قريةً صغيرة سطحية بشكلٍ عميق.

لا يكفي تبادل بعض الافكارِ والاتفاقَ على اخرى والنزاع حول البقيّة لبناء علاقة حقيقية. لا يكفيكَ متابعة ما ينشره شخص ما لكي تحظى بمعرفته فعلًا. فنحنُ خلفَ الشاشاتِ نملكُ بعدًا زمنيًا من الكيبورد خالٍ من الطِباعِ ومن الصفاتِ ومن الفعل المحسوس ومليء بالمساحيق التجميلية. ليسَ لاننا نكذب، بل لأننا حظينا بمكانٍ افتراضي مُنعزل رغم ازدحام قاصديه.
الكثيرُ منا يتخذُ له من بين الشبكاتِ الكثيرة صرحًا ليكونَ مُختلفًا عن واقعه، او اكثر صراحة إن صحّ التعبير. وبصدق! فهو يقتطعُ لنفسه مساحة خاصة ليبني فيها ما يشاء. قراءتك لمنشوراته لا تجعل منك خبيرًا بجوانب شخصيته ولا مُصلحًا اجتماعيًا ولا باحثًا يستنبطُ نتائج من حقلٍ لا علم له فيه.

انتَ صاحبُ البيتِ الزجاجي الذي يتلقى رسائلَ من الماضي ويقرأني شخصية في رواية قديمة لا اهمية لي في حياته.
انتَ ذاكَ الغريبِ الذي لم التقي فيه وبحتُ له بتُرهاتٍ خشيةَ ان انفجر.
انتَ صديقٌ افتراضي لا يعرفني.











You Might Also Like

0 تَركُوا بَصمة

هاكِ، طريقة جديدة للوصال

Popular Posts