هُم بَيننا.. لكننا غَيرُ مُبصرين!

الجمعة, مارس 09, 2012


كُنتُ خائفة،،
كَثيرًا!..
أُثاقِلُ خُطواتي البطيئة..
مُتشبثة بِرداء صديقتي – التي اعتادت تضاريسَ المكان- كِطفلة صغيرة تَحتمي بِأُمها!
كُنتُ خَائفة،،
عَلى الرغم من تَنظيراتي الباليّة بِلَعنِ مُجتمعٍ يَستأصلهم منه..  ومن مُناشداتي المبحوحة لإحتضانهم...
كُنتُ خائفة،،
مِن أطفال لا يُريدون من الحَياة شيء غَير  يَدٍ تُربتُ على كَتفهم،، وإبتسامة!




كَانَ قرارًا مؤجلا! فمُنذ أن بدأت صَديقتي دِراستُها لموضوع التربية الخاصة – قبل سنتين ونيّف-  وتَملأني رغبة شديدة لِمُرافقتها بأحد أيام التطبيقات العمليّة... لِأرى فُرسان قضيّة الساعة عَن قُرب!...
كَانَ قرارًا مُتسرعًا،، يَدفعه الفُضول والملل!... لِكنني عَزمتُ على الذهاب – دون تَفكير مُطوّل...

دَخلنا صَباحًا الى المَدرسة...
وكانت تَقفُ على البَوابة كُرسي عَجلاتٍ كئيبة لإستقبالنا...
وفور وقوع نَظري عَليها إنقَبضَ شيءُ ما بِداخلي... وأمسكتُ يَد صَديقتي بِقوة... فنظرت إليَّ وأبتسمت!
الرُسومات المُلونة والكلمات الترحيبية التي تُضفي بعض الدفء على المدخل أنستني لِوهلة أنني في مَدرسة خاصة... وَلرُبما زاد سَلوايَّ انني لم ألتقي بأي (منهم) فَورًا... فَقد كانوا جَميعًا في القاعة لِطُقوسهم الصباحيّة...
إلا مِن طِفلٍ واحد،، ما أن رآنا ندنو من صَفه اتى نَحونا راكِضًا... همست لي صَديقتي بأنه يُعاني من صُعوبة في النُطق وأن بعض أحاديثه مُلعثمة... لَكن حَجمه الصغير وابتسامته الكسيرة ومُحاولته للتشبه بالكبار بطريقة وضعه للطاقية على رأسه او إلمامه بخاصيّات الهواتف لَم تَجدي معه نَفعًا لكسب إستلطافي...
لَم يكن يَرغب بشيء اخر سِوى معرفة إسمي...
لكنني كُنتُ خائفة!...

أخذت صَديقتي بِتحضير وَسائل الايضاح وترتيب أوراقها قبل أن يبدأ (طُلابها) بالتوافد....
ومن بين تحيّاتِ المُعلمات المُطمئنة،، والابتسامة  التي ترتسم على شِفاههن ما ان يُبصرننا... كانت تَلتقطُ نظراتي التائهة / الحائرة بعضُ الطُلاب يَتراكضون في الأروقة ويَضحكون....
تارةً يَقتربون مِنا بهدف مُساعدة ( المُعلمة) او لإستكشاف ما تكنّه لهم من فعالياتِ...
وتارةً يُنادونها بإسمها لِتشعرَ بوجودهم وتردَ لَهم التحية...
أما أنا...
فأقفُ على ناصية الطاولة أحاولُ الانصهار بين الورق والبطاقاتِ لئلا أواجه نَظراتهم المتسائلة....
وَلم يَقشع غَمامَ الخوف من على صَدري الصدئ سِوى الكلمات العابرة التي كَانت تُلقيها صديقتي على مَسامعي... والمحبة الغامرة التي تُحيطهم بها... واتساع ابتساماتهم حين يَرونها...والانارة البريئة في وُجوههم الكدرة حين تُخبرهم بأنها اشتاقت إليهم!...


كُنتُ خَجلة مِن نفسي!...
ومِن صَمتي في حُضورهم...
وابتعادي عنهم فور وُلوجهم للصفوف...

كُنتُ غاضبة مِن خَوفي الأحمق! الذي حالَ دون إقترابي من طِفلٍ يَستيقُظ كُل يومٍ  ليكون على أمثالي مَقبولًا...
يَبتلعُ يوميًا نَظراتنا المسمومة لِذنبٍ لم يَقترفه...
يُلاقي من الجفاء ما يُلاقيه! فَقط لأنه لا يسيرُ مثلي....
 او لا يَتحدثُ بِطلاقة... 
أو عَسيرةٌ عليه الارقام!
 أو يَكتب اسمه بِصعوبة....

كُنتُ غاضبة من إبتعادي عن طِفلٍ يَحملُ بين يَديه دَلوًا ومجرافًا في عَالمٍ يَمنع عنه التُراب....

كُنتُ مستعرةٍ مِن مَلجأهم الوحيد – مُعلماتهم- اللواتي يَتركنهم يُصارعون خِباب الوقت لوحدهم بينما تتعالى أجراس هَواتفهن السخيفة مُنادية لحديثٍ لانهائي عن أمورهن الـ"عالقة"!....

كنتُ ولا زِلتُ مُتألمة من الأكادميين اللذين لا يَريدون (منهم) سِوى التصرف وِفق السيناريو أمام المُرشد.. عسى ان يَحصدوا بعض التقييمات المُشرفة على حِساب سعادة  أولئك الأطفال المُؤقتة!


فعندَ خُروجنا من البوابة... ننساهم!
ونُكملُ روتين أيامنا القادمة الخالية منهم...
بينما يَستمرون هُم في الاستيقاظ صَباحًا على أملِ أن تَراهُم عينٌ مِنا... أو تَسمعهم أُذن روحٍ...أو تَحنو عليهم شِفاهُنا بأبتسامة....

أمالُنا الأعزاء،، فَمن غَيركُم يمَنحُ للقلوب العطشة جَرعاتٍ من الأمل؟!...
سأعود إليكم...ولِأجلكم...
وهذا لكم وَعدٌ مني..حَتى نَلتقي.....








You Might Also Like

2 تَركُوا بَصمة

  1. العجز عجز القلوب لا عجز الأبدان !
    بارك الله بك على هذه التدوينة التيانتظرتها من زمن وزاد من أمثالك .. :)

    ردحذف
  2. صدقت!!
    فكم من عاجز في بدنه اخترق السماء بينما نحن لا نزالُ نعانق التراب!

    وفيك بارك الله !

    شُكرا جزيلًا :)

    ردحذف

هاكِ، طريقة جديدة للوصال

Popular Posts