لا
أدري ماذا أُسمي الرباط الذي بيني وبين هذه المدينة، هو ليسَ حُبًا أبدًا، ولا
بُغضًا، هو يملكُ روحًا وإسمًا لم تعهدهُ أي علاقة من قبل ولا تَليقُ به المسميات
العادية التي يَستعملها الجميعُ في وصف علاقاتهم.
فكيف
لمن كانت تَجزِمُ بأن قدمها لن تطأ هذه المدينة طلبًا للعلم أبدًا قد ساقتها
الأقدارُ مُرغمةً لكنفٍ يلفظها منه وتلفظه هي بدورها من رحمِ الرغبة أن تُطلق على
رباطها به اسمًا عاديًا؟ فلتسقطُ كل العناوين لأجلك يا مدينة الصلاة.
--
هذه
المقدمة تبلغُ من العمرِ نصف سنةِ من التعب، كعمر بداية تداعي الخيوط الاخيرة في علاقتي
بهذه المدينة. لم أقوَ على إكمال النص في حينها، وبقي وحيدًا مبتور النهاية الى
اليوم.
اليوم
كانت زيارتي للقدس مختلفة.. مختلفة جدًا.. تحاشيت هذا اليوم كثيرًا في محاولةٍ
ذليلة لتأجيل نوبات الألم الذي تستنزفه مني هذه المدينة. ولكنها، وكعادتها اللئيمة
معي، لم تترك فرصةً لكسرِ توقعاتي منها إلا وانتهزتها.
اليوم،
دخلتُ اليها مجردّة من أي شعور، منزوعة الرغبة بالبكاء، متصالحة بشكلٍ ممل مع
الخيبات... دخلتها لأحزم عامين مرا كالشريط السينمائي الذي، وإن طال، يملك نهاية
معروفة.
استقبلتني
بوشاحها الحزين، وبوجوه اهلها المألوفة الغريبة، وبشوارعها الهادئة حدّ الاضطراب. توقفتُ
تلقائياً عن الغناء، رغم أن اغنيتي المفضلة كانت تصدح في الخلفية، تحسستُ ببطءٍ
خافقي، وصمتت كل الاشياء من حولي.
كنت
حزينة وسعيدة في ذات الوقت، ولا زلتُ الى الآن احاول فهم ذلك.
--
هذه
المدينة منحتني الكثير، لكن هباتها كانت تستقرُ في احشائي كالمرض الخبيث، تنتهزُ
اي فرصةٍ للانقسامِ... فجعلت مني انشطارٌ واحد يقاوم اكتماله.
هذه
المدينة منحتني مساحةً خاليّة من الزيف لا يستطيع أي مكان آخر أن يمنحه، وفتحت
أمامي ابواب التيه على مصراعيها لأشحذَ اجنحتي، أو لأقصّها.
ولربما،
جناحاي يحتاجان في هذه المرحلة فضاءً غيرَ القدسِ ليُحلقا.
ولأن
للاشياء كلها نهاية، لم يتبقى لي إلا أن أطبع على جبهة التجارب قبلة شُكرٍ لما
وأدت في داخلي من أجل أن أكبر.