- المشكلة في الحقنات المهدئة التي تمنحنا
اياها الحياة بين حينٍ والاخر، كالنوم مثلًا او اغنية تأخذك الى عالمٍ موازٍ أو
رسالة طويلة من صديق، ليس في كونها آفِله، إنما بتضاعف جرعة الألم حين نُشفى من
اثرها ونعود لمواجهة كل ما حاولنا الهروب منه.
تجتاحني رغبةً شديدة بالانعزالِ عن العالم، بدءًا بالافتراضي الذي يخنقكك بزيفه من كل جانب، وانتهاءً بالواقعي البائس الذي لا يتركك وشأنك. ولكن، ألسنا في نهاية الأمر منعزلين ووحيدين رغم اكتظاظ المعارف؟ بلى. الخواء الداخليّ اعظم ألف مرةٍ من العزلة الجسدية.
اعودُ لأتساءل، ما السبب اذًا وراء حاجتي للهروب؟ لا أعلم. لكنني متيقنة من حاجتي له.
تجتاحني رغبةً شديدة بالانعزالِ عن العالم، بدءًا بالافتراضي الذي يخنقكك بزيفه من كل جانب، وانتهاءً بالواقعي البائس الذي لا يتركك وشأنك. ولكن، ألسنا في نهاية الأمر منعزلين ووحيدين رغم اكتظاظ المعارف؟ بلى. الخواء الداخليّ اعظم ألف مرةٍ من العزلة الجسدية.
اعودُ لأتساءل، ما السبب اذًا وراء حاجتي للهروب؟ لا أعلم. لكنني متيقنة من حاجتي له.
- مصابون بوعكةٍ من أمل، ونتقن الانتظار... انتظار
الشخص مجهول الملامح الذي سيأخذُ بيدنا من القاع، انتظار الحدث العظيم الذي سيغير
حياتنا، انتظار النجم الذي احترق قبل آلاف السنين ليحقق أمنية نتلوها بصمتٍ حين يصل
وميضه الينا..
لكن الانتظار جميل بصوتِ جوليا حين تقول "وصلّي تا تيجي،
ويهرب مني الوقت متل بنفسجة عم تكبر ع السكت..". وربما تكون هذه الاصوات هي الوقود الخافت الذي يبقي شعلة الانتظار في داخلنا موقدة.
- لا يخفى على أحد بأن بلادنا تنزفُ هذه الفترة بغزارةٍ أعظم
مما اعتدنا عليه في السابق. نعم، مما اعتدنا عليه في السابق... فصور الدماء والجثث
التي تملأ شاشاتنا الصغيرة - والتي باتت النافذة الوحيدة لنا على العالم - حقنتنا
بشدة على مر السنين حتى بتنا نملكُ مناعة حصينة جدًا امام هكذا احداث. نناظر الصور
والاخبار الكئيبة على الصفحات الاخبارية، نتأثر لبعض الدقائق ونمتعض، ثم نأخذ جرعة
تخدير جديدة للضمير ويسجد بداخلنا تمثال المثالية حين نلعن السياسة والانسانية
الزائفة والحظوظ بمنشورٍ منمق على صفحاتنا الاجتماعية.
أوطاننا ضاقت على ساكنيها، وما عادت لأحلامهم البسيطة اي مكان
وسط بحار الألم التي انتقعت بها... وأنا لا أمتلك أن اكتب عن اوجاعِ الوطن
العسيرة، فعذرًا لكل شبرٍ يئن فيك.
- قرأت قبل يومين
تدوينة للبنى أحمد تقول فيها "يمكنني الامتنان لشيء غير الوجع"، بقيتُ
اقلب الجملة في رأسي اكثر من ساعة، واحاول ملأ فجواتي الفكرية بها من كل جانب. لدي
الكثير لأكون ممتنة له، ممتنة للغة التي تثقب جوف قلبي حين تشعر بأنه مُثقل ليسيل
قليلًا، ممتنة لأصدقائي الذين يتحملون تقلباتي المزاجية ويحاولون جاهدين لملمة
أطرافي والصاقها مجددًا كلما تناثرت. أود لو باستطاعتي اخبارهم كم أنا ممتنة لهم،
ولوجودهم، وأنه لا داعٍ لمحاولاتهم هذه فهي تحرقني بدفئها العارم. ممتنة أيضًا
لعائلتي التي لا تُصدر بحقي أي أحكام. ممتنة للموسيقى التي تخلقُ لي عالمًا
موازيًا لا يمرُ فيه أحد سواي. ممتنة لأصدقاء الحرف الذين يقرأونني بصمت.
- أنا محتاجة جدًا لاعادة بناء العلاقة بيني وبين دراستي. فقدتُ
شعور الحب الجارف الذي كانَ يدفعني بنهمٍ للكتب ولموادي التعليمية. لا أريدُ ان
تُصبح علاقتي بها كامرأة تعيشُ سن يأسٍ مُبكر وتنتظر بفارغ صبر مرور بضع سنوات
للحصول على لقبٍ مُلتصقةٌ في اسفله وثيقة طلاق، فأخسرُ متعة الطريق وما تكتنز
جوانبه من تجارب.
- كل يومٍ يمر دون انجازٍ يُطفئ في داخلي شعلةً اضافية. أنا لا
اكره العالم مثلما أدعي، انا فقط اتعرف على جوانب جديدة من ذاتي ولا أعرف بعد
الطرق السليمة للتعامل معها، فأصب جُل غضبي على العالم.
- أفتقدُ الشغق الذي يصاحب قراءة كتابٍ جديد دون تلك الوخزة
الصغيرة في داخلي التي تذكرني بأنني استغل الكتب للهرب من المواجهة.
- هذا العالم لا يحتاج شيئًا عدا الحب.
- عليّ أن أتعلم تطبيق النظريات التي اؤمن بها، كالاحتفاء بالنصف الممتلئ من الكأس قبل ان يجف عوضًا عن إطالة النظر بالنصف الفارغ.
- بعضُ المقارنات احيانًا تزيدُ من وقع الحدث رغم أن
هدفها المواساة؛ فاعترافي بوجودِ من يعاني اكثر مني لا يُخفف من حجم مصيبتي. تذكيرك
المتكرر لي بأن احدهم جعلت منه الضربة أكثر قوةً لا ينفي بأن نظرتي السلبية للعالم
قد زادت. اخبارك لي بحكاية احدهم وكيف جعل من ركام فشله جسرًا لا يوقف شعور
الخيبة والحزن من أن ينبض بداخلي.
دعني أمنحُ لمشاعري حق الوجود ولا تختزل مراحلي.
- "حبي
حالك، حبي حالك ع الاقل مثل ما الي حوليكِ بحبوكِ.." ، هذه كانت ختام حديثي
مع صديقتي قبل قليل، ربما فعلًا عليّ أن افعل ذلك. فكيفَ يمكنني احتضان العالم إن
كان داخلي بارد؟